رواية محظية الفرعون الفصل الرابع
نقدم لكم الفصل الرابع من رواية محظية الفرعون (Pharaoh's Concubine ) الجزء الثاني من المدونة العربية الشاملة.
قراءة ممتعة :)
إذا كان هذا سيوطد حكمك، ويحمي مصر ويحميك.. سأفعل ذلك
ساراهن على الموت إذا كان هناك احتمالية لرؤيته مجددا حتى لو كانت واحد من المليون
لا اهتم إذا لم يعرفني مطلقا ولا اهتم ان كان يحب اخريات
فقط لرؤيته يقف امامي مرة أخرى فقط، لرؤية عيونه الكهرمانية.. انا اشعر بالسعادة.
____________________
تردد في اذنها صوت جلبة في الجوار، كما لو كان صوت اصطدام الجواهر ببعضها، وضع قماش بارد على جبينها خفف بعضا من الحرارة التي كانت تحرقها، حركت شفاهها، سبب لها فكها الم خفيفا بسبب الحرارة، وشعرت بوخزات من الألم في حلقها الجاف، سعلت قليلا.
" هل تريدين الماء، سعادتك؟" جاءها الصوت العجوز ببطء.
سمعت الشخص بجواره يمشي ببطء ذاهبا وببطء أيضا عاد سائرا بالاتجاه المعاكس. رفع العجوز ظهرها بيده ووضع الكاس على فمها " سعادتك، ارجوك اشربي الماء"
عندما لامس الماء الفاتر شفاهها شعرت بالألم، ودفعته خارجا بسعال قوي
" سعادتك، هل هذا الماء ساخن؟ اسف سيأتي الخادم بكاس أخرى"
" لا.. لا حاجة" قالت ايفي بخجل وهي تحاول تركيز تفكيرها، لازالت حية بعناد، يبدو ان قلبه لم يسمح له بقتلها. هل يجب ان تفرح في سرها؟
بذلت جهدها لفتح عينيها وشاهدت وجه الخادم العجوز القلق
تقلص وجهها عن ابتسامه ضعيفة " ديو، شكرا لك"
سمع الخادم العجوز كلماتها، وقام بسرعة الى جانب سريرها راكعا وانهالت دموعه. " سعادتك، الخدم شاكرين لك انقاذك لي"
" لا تفعل هذا، انهض بسرعة" سعلت ايفي قليلا، وشاهدت جسد العجوز الضخم ما زال راكعا امامها، كان لا بد من قول شيء اخر فأضافت" اذن، أعطني بعض الماء لأتجاوز هذا السعال"
سمع كلامها فورا وقام واقفا، وبسرعة قام بأخذ الماء عن الطاولة بجانبهم وجلبه لايفي. استغلت ايفي فرصة فراغ الغرفة والقت نظره على البيت الذي كانت فيه، انه يشبه أماكن الإقامة الخاصة بالعائلة الحاكمة بكل تفاصيله، لكن الاثاث البسيط، الغرفة الضيقة قليلا، الاواني الذهبية المزخرفة، جميعها توحي انها ضيف بلا أهمية وغير مرغوب فيها من الفرعون.
ديو، يجب ان يكون هنا فقط خادم.
ابتسمت بمرارة، استندت الى ظهر السرير وركع الخادم بجانبها باحترام مادا كاس الماء الى ايفي.
" لا يجب عليك الركوع طوال الوقت" قالت له ايفي وهي تأخذ كاس الماء منه، كما ان الركوع متعب للجسد، وهذا مكان إقامة لاثنين فقط لماذا تزعج نفسك بالكثير من هذا النوع من التصرف. نظرت الى الماء نظرة سريعة، كانت مندهشة لرؤية ايفي، كما لو انها لم ترها ابدا، رفعت ايفي كاس الماء ولم تلاحظ التغير البسيط في تعابيرها.
كانت شفاهها قريبة جدا من فوهة الكاس، ومن غير قصد نظرت بعيونها الى الماء في الكاس. في هذه اللحظة، رمت ايفي الكاس جانبا، وتحسست بيديها وجنتاها بشك، انكمشت على نفسها وكانت ترتجف قليلا.
" سعادتك، ماذا حدث لك؟ هل يؤلمك شيء؟" نظر الى ايفي بقلق.
" اريد مرآة، أعطني مرآة.. " قالت ايفي بخجل، مع ملامح خوف في عينيها. حدقت في الكاس الذي سقط على السجادة البيضاء وبدات نبرة الانزعاج بالارتفاع في صوتها " ديو أسرع!"
أسرع الخادم العجوز خارج الغرفة في ارتباك، عاد بعد لحظات حاملا مرآة برونزية وجاء مسرعا الى ايفي. التقطت ايفي المرآة من يده وامسكتها ولم تستطع الانتظار لرؤية وجهها في المرآة البرونزية.
فتاة غريبة في المرآة تنظر لنفسها باستغراب.
شعرها طويل قد نمى ليلامس الأرض تقريبا، لكن لون الشعر كان فاتحا جدا، فضي تقريبا.
بشرتها بيضاء جدا، بيضاء لدرجة المرض.
لديها رموش كثيفة، مع جفون عميقة بداخلهما عيون رمادية شفافة.
لديها حاجبين جميلين، انف صغير، وشفاه دقيقة لكنها بلا لون. انها تبدو كلوحة فقدت الوانها، هي شاحبة جدا ولا تشعر بحيوية الحياة.
رموش هذه الفتاة تشبه رموشها قليلا، لكن هذه النقطة تجعلها تشعر بالرعب أكثر، لكنهما، شخصان مختلفان جدا.
هي الان لا تملك عينين زرقاوين بلون النيل، لا شعر ذهبي كالشمس ولا بشرة بنقاوة الكريستال.
انها تشبهه نفسها التي فقدت حياتها.
" هذا الشخص... هل هو انا؟" لمست المرآة بإصبعها غير مصدقة، كان هناك ارتجاف في صوتها واللمسة من طرف اصبعها بدت غريبة كأنه ليس اصبعها ابدا. هذا ليس جسدها اطلاقا، بالإضافة الى نفس الاسم والمظهر المتشابه قليلا، هذان وجودان مختلفان.
" عيون حوس حقيقية..." حنت ظهرها للشمس وقالت بلطف " لقد اعادتني، لكن نصفي فقط"
فقط تفكيرها، روحها
" صاحبة السعادة؟ ما خطبك؟" نظرت ايفي بقلق للحظة وكانت مندهشة من ايفي، هي لا تعلم ما يجب عليها فعله.
منذ ان عدت الى هذا العصر، ايفي، الاسم الذي ناداها به الجميع، ليست هنا، هناك هذا الطفل الغريب من عشيقة الفرعون السابق. في هذا العالم القديم. كيف يتقبل الناس المظاهر المختلفة؟ لا عجب ان كل واحد سيكرهها بهذا الشكل. لا عجب انه يريدها ان تموت. تنهدت ايفي بشده ووضعت المرآة البرونزية على السرير. امسكت الشعر الفضي بأصابعها ونظرت الى اللون القديم والعجيب بسخرية.
" ماذا أصبحت انا؟ "
القى الخادم العجوز نظرة على ايفي ثم حدق بها لسبب غير مفهوم.
نظرت ايفي الى الخادم العجوز ورسمت ابتسامة خفيفة في زاوية فمها، كان التعبير مفاجئا.
بسرعة حاولت تبديل ملامحها و ان تجد عذرا " يبدو ان حرارتي مرتفعة واصابني التشوش بسببها" توقفت ثم أكملت " أتمنى ان احرق ... "
كانت الدهشة لكلامها كبيرة، والوجه الذي كان مغطى بالتجاعيد تحول ليمتلئ بالقلق " سعادتك، سعادتك!"
لم يستطع العجوز اصدار أي صوت، لم يستطع قول أي شيئ. فقط كما جميع العجائز، شاهد المشهد امامه وبقي يردد هاته الكلمتين، لا يهم ماذا تطلبه ايفي، هو سيردد هذه الكلمات بتفان وحزن.
أخيرا استسلم من تنقيب الاشارات منها، اغلق عينيه واخذ نفسا عميقا.
هي أخيرا فهمت انها في هذا التاريخ الذي قاد الى المستقبل الذي تعرفه. هي الان أصبحت اخته بشكل غير متوقع وكان لها وجود كالوحش لدرجة انه كرهها ورفضها.
هي لم تعد الفتاة التي أحبها.. ايفي
مرت اشعت الشمس في النوافذ الواسعة وسقطت بلطف عليها.
الشعر الفضي بضوء الصباح الساقط عليه يشبه شلالا ينساب على السرير الخشبي ويصل الأرض.
رفعت يدها باتجاه السقف، كان جلدها الأبيض شفافا بالشمس، نظرت الى اصابعها النحيفة في تشوش بعيونها الرمادية ولم تستطع التركيز على نقطة واحدة، بفعل مزاجها المعقد. استلقت بهدوء، بلا تعابير كصمت حياتها.
بعد لحظة، انزلت يدها التي كانت مرتفعة وفتحت شفتاها الشاحبتين ببطء، نادت بلطف " ديو؟"
لا أحد أجاب.
لا اعلم اين ذهب. الغرفة الصغيرة أصبحت مهجورة بسبب غياب شخص واحد. تذكرت ايفي انها لم تذهب خارج الفراش منذ عدة أيام، منذ ان الخادم فقط حولها، يجب ان تغتنم الفرصة للخروج وحيدة، عندما فكرت بالأمر، نهضت وحاولت وضع قدمها على الأرض، عندما وقفت لم تستطع ان تمشي خطوتين وسقطت خجلة من نفسها، بدا جسدها خارجا عن سيطرتها بالكامل في هذه اللحظة، لم تستطع الإحساس بملمس شي مما أدى الى سقوطها.
" هذا النوع من الأجساد العجيبة، يجب ان ابذل جهدا للتأقلم فكرت ايفي بشكل مثير للسخرية، إذا كانت تريد البقاء في هذا العصر، لا يهم كم هي مكروهة، يجب ان تبذل جهدها.
ضغطت على طرف السرير، ركزت وعيها، ووقفت ثانية.
" اسمعي، يجب الا تسقطي هذه المرة" قالت ايفي مازحة وهي تنظر لنفسها واقفة باستقامة وتستند الى الحائط بحذر وهي تمشي للخارج.
عندما أصبحت خارج الباب، سطعت اشعة الشمس على جسدها مباشرة، مما جعلها تشعر بعدم الارتياح، القت نظرة على الغرفة التي اقامت بها لعدة أيام، كانت غرفة صغيرة حوها عدد قليل من الأشجار المتناثرة، وعدة أجزاء من بيوت قديمة. نظرت اليها، الأبنية التي تبعد مسافة اقل من عشرة أمتار تبدو رائعة جدا، ونباتات السراخس الوفيرة وقفت بقوة. منظر الازدهار، مع انه كان فقط جزء بسيط، كان كافيا لجعلها متأكدة – هذه هي مدينة طيبة المذهلة، المكان التي قابلته فيه لأول مرة.
حجبت اشعة الشمس عن وجهها باستخدام يدها، السماء الصافية بدت كأنها لم تتغير، لكن الذكريات الجميلة والمحطمة للقلب بقيت في ذاكرتها كأنها حدثت بالأمس.
الذكريات التي تنتمي الى شخصين، الان أصبحت تنتمي لشخص واحد فقط بعد ان غادرها الاخر.
يا لحلاوة ذكرياتها.. ويا لقسوتها.
هبت نسمة هواء عليها، وسمعت صوت تدفق ماء قريب. وقفت تحت الشمس لتتذكر الماضي، غمرتها اشعة الشمس بالكامل، تريد ان تفهم كل ذلك، لم تتردد في الذهاب الى حيث مصدر الماء غير متحكمة بجسدها بالكامل.
ليس بعيدا، أصبحت الأشجار أكثر وأكثر، وحجبت أوراق الأشجار المتكاثفة ضوء الشمس، جاعلة الامر أسهل عليها، على طول الطريق حيث مصدر صوت الماء، أصبح خط نظرها المشوش بفعل الأشجار واضحا فجأة محاطا بالنباتات الخضراء وبركة ماء المملوءة بأزهار اللوتس الجميلة. هذا التصميم ليس غريب عن مباني المحاكم المصرية القديمة. لكن لا فكرة لديها عن نوع المهارات والمواد التي يستعملونها لبنائها. الماء تحت ازهار اللوتس واضح جدا، كما لو أنك تستطيع مشاهدة قاع البركة بلمحة فقط. ولون الماء كان يتغير من اللون الأزرق الداكن الى الأزرق الى الأزرق السماوي كما لو انه لوحة متدفقة.
ازهار اللوتس في جون – شهر6- مليئة بلمعان اشعة الشمس ناضحة بعطر يشبه العالم، نقي وجميل. وتوزعت المنازل على اللوحة الزرقاء، جاعلة من المشهد كله صورة متقنه الرسم.
هذا المشهد الرائع ليس منتشرا كثيرا. شعرت ايفي بالتحسن مباشرة، اخذت بضع خطوات للأمام، تخلت عن صندلها ووضعت قدمها البيضاء الدقيقة في بركة الماء، جعلت برودة الماء فمها يشرق بابتسامة جميلة.
في يوم صيفي حار، من الصعب ان تستمتع بهذا المكان بحرية. في مدينة صاخبة مثل طيبة، من الصعب إيجاد مثل هذه الأماكن الرائعة بدون وجود بشر بالجوار وان تسترخي باستمتاع. هذا هو الشيء الثاني الذي جعلها سعيدة بعد عودتها الى هذا العصر الذي تذكرته لمدة طويلة، الان!
الشيء الأول؟ بشكل طبيعي، رات أحمق كبير مرة أخرى.
لا تهم الطريقة التي يعاملها بها، تستطيع رؤيته حيا وبصحة جيدة، حقا هذا أفضل من أي شيء اخر. هي سعيدة جدا لامتلاكها الشجاعة والإصرار لتراهن على فرصة الواحد من مليون! ابتسمت بسعادة، قامت بركل الماء في البركة وراقبت قطرات الماء الكريستالية التي صنعت قوس فزح صغير في السماء.
لا يهم ما تكون، لا يهم كيف ينظر لها، ستبقى هنا والى جانبه.
فجأة، شعرت بحضور حاد يتساقط خلال طبقات من أوراق الأشجار ويحدق بها من خلف شجيرات ليست بعيدة عنها. غطت الاغصان وجهه وجسده لكنه كان يصدر صوتا كالزقزقة لزوج من العقارب الهادئة من خلال الأوراق الخضراء.
كانت زوج من العيون الباردة كالثلج، في هذا الصيف الحار، ايفي لا تستطيع عمل شيء، شعرت بالقشعريرة، انتشرت من صدرها الى أسفل قدميها، لم تستطع فعل شيء سوى ضم يديها واخذ عدة خطوات للخلف.
اخذت تبحث عنه ثانية، اختفت العينين بعيدا، ولم تستطع إيجاد شيء.
" من هناك؟"
في هذه اللحظة، جاء صوت ضعيف من خلفها، ارتعشت ايفي ونظرت الى صاحب الصوت
فجأة، بدى ان الزمان والمكان تجمدا.
أضاءت الشمس الفراغات بين أوراق الأشجار وهبطت على سطح حجر ساخن. انتشر عطر السراخس في الانحاء، وبدون وجود أي رياح، حتى صوت التنفس اختفى، وقفت امامه على بعد عدة أمتار يحدق أحدهما بالأخر.
لم أتكلم لمدة طويلة.
انه منظر مسالم، أكثر صورة جمالا في العالم.
الفتاة البيضاء تقف بجوار ازهار اللوتس الزرقاء، طرف تنورتها الطويلة ابتل في بركة الماء البارد، بشرتها البيضاء أكثر نقاء من الازهار المتفتحة في البركة، استدارت قليلا ووقفت تنظر الى الرجل الذي لا يبعد كثيرا عنها. الشاب الطويل القوي، الذي يرتدي معطفا قصيرا بسيطا من الكتان، حاملا سيفا متقن الصنع منقوشا برسم نسر ذهبي، يلمع في الشمس، حبس أنفاسه ناظرا الى الفتاة بجواره.
في هذه اللحظة، توهمت انه تذكرها وتذكر انه ما زال يحبها.
على أي حال، كيف يمكنها ان تنسى هذا، هي لم تنسه ابدا. ظهوره بحد ذاته عجيب، هو يراها بشعة ومنبوذة، كيف يمكن ان يحمل شعورا جيدا حولها بدون أي سبب؟ كان قلبها فوضويا، المسافة غير المعتادة عنه جعلت قدمها غير مستقرة، داست على طرف تنورتها وسقطت فجأة على شجيرات اللوتس خلفها.
لم يبد عليها الذعر، لم تلتفت وتهرب، فقط نظرت الى وجهه بهدوء. ربما هو لا يهتم، إذا سقطت في البركة الان، هل سيتركها ويذهب؟ ارادت انتهاز هذه الفرصة، قبل ان يذهب، نظرت اليه عدة مرات أخرى لتحفر وجهه اللطيف في ذاكرتها وتعيش هذه الذكرى حتى تراه ثانية. هذا الوجه البارد المألوف والغير مألوف.
استدار جسده ببطيء، وانتظرت هي ان يغمر الماء جسدها بالكامل، لكن ما حدث في تلك اللحظة لم تتوقعه ابدا، اظهر وجهه اللامبالي لمحة من القلق. وبسرعة لم تستوعبها، كان قد أصبح بجوارها وخطى في شجيرات اللوتس بلا تردد. الذراع القوية التي تمسك دائما بالسيف رفعت جسدها بلطف وقوة، مقربا إياها من جسده، شاعرة بأنفاسه الدافئة.
قطرات من الماء على جسدها سقطت ببطيء على جسده البرونزي. ضمها ورفعها بلطف من الماء، رفعها لارتفاع مناسب له، كان تنفسه هادئا، ونظرت العيون الكهرمانية اليها بتفحص، في عيونه تستطيع ان ترى ظلها معكوسا فيهما، شعرت بشعور غريب من الصعب وصفه.
كوني حذرة جدا، عزيزة جدا، مثل الناس حولك الذين هم اهم الأشخاص في العالم.
انه مدهش جدا، شيء لا يصدق، انه كما لواني انتظرت كثيرا لحملها بين ذراعاي ثانية.
قلب ايفي أصبح صعبا كبحه، لكن هل هناك سحر حقا في هذا العالم؟ هل يفكر فيها؟ هل هو.. هل لاحظها؟
فتحت شفاهها قليلا لكنها لم تستطع التحدث.
كانت خائفة ان ما تراه امامها هو حلم فقط، إذا تحدثت فسيختفي كل شيء.
لكنها أخيرا قالت بتردد " انا ... "
انا ايفي، عدت ثانية حسب اتفاقنا...
هذه الجملة البسيطة قطعت في منتصفها، وأصابها الم حاد في صدرها كما لو انه المها ليوقف كلماتها، تنفست بسرعه لتهدا المها المفاجئ، هب نسيم بارد فجأة، ولمعت مياه البركة الزرقاء خلال اهتزازات سطحه الخفيفة، واحتكت أوراق الشجر المتشابكة ببعضها مصدرة حفيفا خفيفا، حجبت الغيوم ضوء الشمس وتحول لون المياه حول شجيرات اللوتس الى اللون الأزرق الغامق.
وعندها بدا ان السحر اختفى.
نظرت الى تعابيره، تحولت من شدة الرحمة واللطف الى القليل من الدهشة، ثم بعدها الا اللامبالاة، ومن ثم الى الاشمئزاز أخيرا.
لم تملك ايفي أي وقت للشك، الذراعان اللتين امسكتاها افلتتاها ودفعتاها بعيدا. الجسد المغمور بالسعادة سقط فجأة في بركة ماء متجمد لا تستطيع الخروج منها.
لم تستطع رؤية أي شيء، جسدها كان ثقيلا، عند الظهيرة في منتصف الصيف، شعرت كأنها تغرق في انهار جليدية لألاف السنين. شعرت بمرارة ياس باردة، وانتشرت في جميع جسدها بما فيه قلبها، شعرت بضغط على صدرها ولم تستطع التنفس.
لم تستطع المقاومة، تدفق الماء حولها من كل اتجاه وكانت هي مثبته بإحكام ولم تستطع التحرك.
امتدت يد قوية مخترقة البركة وممسكة بذراعها الرقيقة. في اللحظة التي كان تنفسها على وشك التوقف، اخرجها من الماء وتركها بقسوة على طرف البركة، سعلت بحدة، وقف بجانبها مغطيا بجسده الطويل الشمس من امامها.
اخفض نظراته وبلامبالاة نظر اليها وهي على الأرض.
" في هذا العالم هناك فقط امرأة واحد تستطيع الاقتراب منه"
هناك امراه واحدة فقط
هل هي نيفرتاي؟
هل هذه هي الاميرة العظيمة التي تحبها في هذا التاريخ؟
هل كل هذه الأشياء الجميلة تبني وتجهز لها فقط؟
المها قلبها حد التوقف، بحزن ... حتى دموعها لم تسقط.
" استمر الناس بتقديم الالتماسات ويريدون مني قتلك" ثم غير الموضوع قائلا " يو لي شخص عادل كراهب، لم تتلاعبي من اجل البلاد، كعضو في العائلة الحاكمة، انت لم تهتمي بأميرة القصر، سيأخذونك من طيبه بأمر واحد ويقطعون راسك في الصحراء"
توقف رمسيس قليلا وانتظر رد فعل ايفي، لم تقل أي كلمة، كما لو انها لا تهتم بما قال، رد فعلها الهادئ والغير متوقع جعله غير قادر على كشف اثار الارتباك.
عبس لوهلة، بعدها استعادت عينه نظرتها اللامبالية " سأعطيك فرصة يمكنك استغلالها، لا يهم ما الخطأ الذي تفعلينه، من الان وصاعدا انت اميرة مصر، من دماء العائلة الملكية"
ارتجف قلبها لدى سماعها كلماته، ثم بسرعة رفعت جسدها ونظرت اليه. كانت عيناه الكهرمانية تحدق في اللا شيء " انا لا اهتم بحالة العائلة الملكية"
حدق بها " لا تهتمين حول دم العائلة الملكية المصرية؟ الا تشتاقين الى المستقبل حيث تنامين في نهر الملوك"؟
صكت ايفي اسنانها ووقفت بصعوبة، ناظره اليه وراسه اعلى بكثير من راسها " هذا الشعر الفضي، والعينين الرماديتين ليسوا كالوجه المصري اطلاقا اليس كذلك"؟
رفع حاجباه والعيون الكهرمانية نظرت الى الفتاة الواقفة امامه للحظة، لم يكن هناك أي دليل في وجهها الهادئ.
فتح فمه ليتكلم بعد مرور مدة طويلة، لكن نبرته العادية حطمتها لأشلاء " لا يهم كم نزفتي من دمك، لا يهم كم هو غريب مظهرك، في عيون الاخرين، انت ما زلت من العائلة الحاكمة، اميرة، انت ملزمة بتكريس كل شيء لمصر"
ثنت شفتها ببطيء ونظرت اليه حتى عاد قلبها المفطور تدريجيا لينبض طبيعيا.
" هذا.. ما الذي تريد مني فعله؟"
ظهرت الشمس من بين الغيوم وجلدها الأبيض أصبح شفافا تحت ضوء الشمس.
شبكت ايفي تنورتها بأصابعها وسالت بلطف " إذا استمعت لكلامك، إذا فعلت ما تقول ... "
" ماذا تريدين بالمقابل؟ الاعتراف بالعائلة الملكية؟ الثروة؟ القوة؟" جاء الصوت لا مباليا مع القليل من الازدراء، قاطع كلماتها كمخروط ثلجي مرة بعد مرة ينغرس في قلبها، في المكان الذي يجعل تنفسها اصعبا وأصعب.
أجبرت نفسها على الابتسام كما لو انها لا تشعر باي الم وأكملت " هل ستكون سعيدا"؟
ابتسم ابتسامه عريضة وظهرت على وجهه علامات الحيرة.
" إذا سمعت كلامك وفعلت ما تريد، هل ستكون سعيدا؟ هل ستساعد حكمك"؟ كان تعبيرها جديا جدا، ومحددا جدا كل كلمة نطقتها كانت واضحة.
نسمات الهواء انسابت بين أوراق الأشجار مصدرة حفيفا ناعما وتموجت مياه البركة.
في تاريخ اخر، اليوم الذي قتل فيه اخته بنفسه، امسكها بإحكام كما لو لم يرغب في افلاتها ثانية واحدة.
شعرت انه بحاجة لها وانه يعتمد عليها جدا.
تذكرت فقط افكارها البسيطة في ذلك الوقت، تريده فقط ان يضحك، تريده ان يكون سعيدا وتريده ان ينسى كل مخاوفه والامه، لانها ستكون بجانبه لحمايته...
" وي... هل تحبينني"؟
" حسنا. انا احبك، لا يهم ما تفعل او كيف تفعله، انا احبك"
" حتى لو لم تعد تحبني ابدا، سأبقى احبك، اريد ان ابقى بجانبك و ان احميك، انا احبك انت فقط"
" إذا كنت ستكون سعيدا، سأفعلها" الصوت الهش بدى كإبرة فضية سقطت على كريستال. والعيون الرمادية المشعة نظرت بجد الى الرجل بجوارها بتصميم وإصرار كبيرين
" إذا كان هذا سيوطد حكمك، سيحمي مصر ويحميك... سأفعلها"
لمعت العيون الكهرمانية بنظرة خاصة لم تكن ملاحظة، لكن بعد ذلك غطى المظهر اللامبالي كل شيء، ضم يديه الى صدره، ورفع فمه بلمحة سخرية.
" كل شخص مصري لديه التزام بحماية بلد الشمس العظيمة هذه، يا اختي"
الابتسامة على وجه أي وي تأخرت بالظهور، وغرقت في أعماق الياس.
" اذن من اجل مصر، ستتزوجين الملك القديم"
اخترت العودة، لكني اريد ان أكون محبوبة منه، هذه المرة دوري لحمايته، ودوري الان لأجعله سعيدا.
لذلك حتى لو نسيني، حتى لو كان يحب اخريات، طالما أستطيع رؤيته، سأشعر بالسعادة.
حقا؟
الفصل الخامس من هنا
_____________________________________________
للاطلاع على الفصل الانجليزي من هنا
___________________________________________________________________
يمكنكم متابعة صفحتنا على الفيسبوك للحصول على اشعارات الفصول فور ترجمتها من هنا
_____________________________________________
بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك, كل عام و انتم بخير اعاده الله علينا و عليكم باليمن و البركات... اجتهدو في هذا الشهر و لا تنسونا من صالح دعائكم.
0 تعليقات